٭ قادتني الصدفة نهار الجمعة الماضية إلى مسجد أرغى إمامه وأزبد - في خطبته - بسبب الغارة الإسرائيلية على بورتسودان..
٭ وقد بدا الرجل في حالة تدعو إلى الرثاء وهو يسعى جاهداً لإقناع المصلين بأن الاذلال الذي تتعرض له بعض بلاد العرب على يد إسرائيل هو نتاج البعد عن شريعة الله..
٭ ثم حين يتحدث عن الإذلال هذا الذي طال بلادنا للمرة الثالثة، يعجز عن تفسير ذلك في ضوء الشريعة التي يقول إن على حكومتنا التمسك بها مهما عظمت التحديات السياسية..
٭ طيب؛ (من وين) تطبيق الشريعة يقي حكومات العرب من الإذلال..
٭ و(من وين) لم يق التطبيق هذا حكومة الإنقاذ من الإذلال المذكور؟!..
٭ إنها ورطة ما كان للإمام أن يقع فيها أصلاً لو أنه كان صادقاً مع الله والمصلين في شأن شريعة الإنقاذ التي يتحدث عنها..
٭ فالتطبيق الصحيح للشريعة الذي يستوجب نصر الله لا يقتصر فقط على إقامة الحدود على الضعفاء من الناس وترك ذوي (الحصانات!!)..
٭ أين العدل، وأين الرحمة، وأين الزهد، وأين الشورى، وأين التواضع، وأين الحرية؟!!..
٭ ألم يقل شيخ الإسلام ابن تيمية: (إن الله لينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة)؟!!..
٭ وربما كان الإمام ذاك صادقاً مع الله والمؤمنين لظنه أن التطبيق الصحيح للشريعة هو هذا الذي تفعله الإنقاذ..
٭ وفي الحالة هذه لا يصلح ذلك الرجل أن يكون إماماً لجهله بمقاصد الشرع العليا التي لا يستقيم بدونها أي تطبيق للشريعة ولو تعالى هتاف رافعي شعاراتها إلى عنان السماء..
٭ أو لو لامست عصيُّهم وسباباتهم السحاب..
٭ فتطبيق مثل هذا للشريعة لا يعدو أن يكون محض دعاية سياسية تهدف إلى دغدغة العواطف الدينية لدى (العوام) من الناس..
٭ ولم يكن إمامنا ذاك بأوفر حظاً في الاستئثار بمشاعر الرثاء من وزير الدفاع الذي أقحم -بدوره - الشريعة في معرض حديثه عن الغارة الإسرائيلية المذكورة..
٭ فعوضاً عن أن يشرح الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين للناس الأسباب (الحقيقية!!) للغارة تلك - والتي قبلها - طفق يحدثهم عن الشريعة التي تُستهدف البلاد بسببها حسب قوله..
٭ طيب يا سيادة الوزير؛ لماذا لم تُستهدف السعودية، أو ماليزيا، أو باكستان، أو اندونيسيا، أو تركيا..
٭ (سيبنا) من الدول (دي) ودعنا نتحدث عن بلادنا..
٭ لماذا يقتصر الاستهداف في كل مرة على بورتسودان ومحيطها فقط؟!..
٭ هل الشريعة هذه (معقلها) هناك في الثغر فإذا ما ضُرب الثغر هذا فكأنما ضُربت شريعة السودان كلها؟!..
٭ أم أن ميناء السودان هذا - يا تُرى - هو الذي يتم عبره (تصدير!!) الشريعة إلى العالم إتساقاً مع شعار (ونسود العالم أجمع)؟!..
٭ إن من أوجب واجبات (الشرع!!) للحاكم المسلم - أو من ينوب عنه - هو (الصدق!!) مع الرعية في ما يلي أمراً من أمورهم..
٭ وما يرشح من تسريبات الآن عن حادثة بورتسودان يشي بأن القصف لا صلة له بالشريعة التي ترفع شعاراتها الإنقاذ..
٭ اللهم إلا إن كان في موت شهيديِّ «السوناتا» - هداب وجبريل - موت لهذه الشريعة..
٭ فمن حق الناس على الإنقاذ (شرعاً!!) - إذاً - أن تصارحهم بـ(حقيقة!!) الذي يحدث في حدودنا الشرقية..
٭ فإذا كانت الإنقاذ التي تنفق ما يعادل ثلثي ميزانية البلاد على الأمن والدفاع لديها القدرة على حماية ذاك الذي (يحدث!!) فلتقم بواجبها (السيادي!!)..
٭ وإن لم يكن لديها مثل هذه القدرة فلـ(تمدَّ رجليها على قدر لحافها!!)..
٭ أو أن (تقطِّعها في مصارينها!!) بمثلما تفعل إزاء حلايب، والفشقة الكبرى، والفشقة الصغرى، ومثلث إيلمي..
٭ أما أن تتوعد بـ(ردٍّ!!) هي تعلم أنه لن يحدث فهذا ما لا يليق برافع لشعار الشريعة..
٭ كما لا يليق به أيضاً صرف أنظار الناس عن السبب الحقيقي للغارة وتوجيهها صوب الشريعة بحسبانها المستهدفة..
٭ فصواريخ إسرائيل ما كانت لـ(تضلَّ!!) طريقها نحو (سيارات!!) بقلب العاصمة السودانية مثل صاروخ مصنع الشفاء..
٭ ولكن الذي (يضلُّ!!) طريقه الآن نحو (عقول!!) السودانيين هو مثل حديث إمام المسجد ذاك..
٭ ومثل حديث وزير الدفاع هذا.
صحيفة الصحافه 11/4/2011